فصل: الجزء التاسع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح صحيح البخاري لابن بطال ***


الجزء التاسع

كتاب الاستئذان

باب بدء السلام

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏(‏خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ‏:‏ اذْهَبْ، فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ‏:‏ السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا‏:‏ السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ- يعنى الْجَنَّةَ- عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ هذا الحديث يدل أن الملائكة فى الملأ الأعلى يتكلمون بلسان العرب، ويحيون بتحية الله، وأن التحية بالسلام هى التى أراد الله أن يتحيا بها‏.‏

وفيه‏:‏ الأمر بتعليم العلم من أهله والقصد إليهم فيه، وأنه من أخذ العلم ممن أمره الله بالأخذ عنه فقد بلغ العذر فى العبادة وليس عليه ملامة، لأن آدم أمره الله أن يأخذ عن الملائكة ما يحيونه، وجعلها له تحية باقية، وهو تعالى أعلم من الملائكة، ولم يعلمه إلا لتكون سنه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن‏)‏ فهوا فى معنى قولى تعالى‏:‏ ‏{‏لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ‏(‏ووجه الحكمة فى ذلك أن الله خلق العالم بما فيه دالا على خالق حكيم، وجعل فى حركات ما خلق دليلا على فناء هذا العالم وبطلانه خلافًا للدهرية التى تعبد الدهر وتزعم أنه لا يفنى، فأبقى الله هذا النقص دلاله على بطلان قولهم، لأنه إذا جاز النقص فى البعض جاز الفناء فى الكل‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خلق الله آدم على صورته‏)‏ فإن العلماء اختلفوا فى رجوع الهاء من ‏(‏صورته‏)‏ إلى من ترجع الكناية بها‏.‏

قال ابن فورك‏:‏ فذهب طائفة إلى أن الهاء من ‏(‏صورته‏)‏ راجعة إلى آدم- عيله السلام- وأفادنا بذلك عليه السلام إبطال قول الدهرية أنه لم يكن قط إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان فيما مضى ويأتى، وليس لذلك أول ولا آخر، فعرفنا عليه السلام تكذيبهم، وأن أول البشر هو آدم خلق على صورته التى كان عليها من غير أن كان نطفه قبله أو عن تناسل، ولم يكن قط فى صلب ولا رحم، ولا خلق علقه ولا مضغة، ولا طفلاً، ولا مراهقًا، بل خلق ابتداء بشرًا سويًا كما شوهد‏.‏

وقد قال آخرون‏:‏ المعنى فى رجوع الهاء إلى آدم تكذيب القدرية، لما زعمت أن من صور آدم وصفاته ما لم يخلقه الله، وذلك أن القدرية تقول‏:‏ إن صفات آدم على نوعين منها ما خلقها الله، ومنها ما خلقها صورته وصفاته وأعراضه‏.‏

وقال آخرون‏:‏ يحتمل أن يكون رجوع الهاء إلى آدم وجهًا آخر على أصول أهل السنة أن الله خلق السعيد سعيدًا والشقى شقيا، فخلق آدم وقد علم يعصيه ويخالف أمره، وسبق العلم بذلك وأنه يعصى ثم يتوب، فيتوب الله عليه تنبيهًا على وجوب جريان قضاء الله على خلقه، وأنه إنما تحدث الأمور وتتغير الأحوال على حسب ما يخلق عليه المرء وييسر له‏.‏

وذهب طائفة إلى أن الحديث إنما خرج على سبب، وذلك‏:‏ ‏(‏أن النبى عليه السلام مر برجل يضرب ابنه أو عبده فى وجهه لطخًا ويقول‏:‏ قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك فقال عليه السلام‏:‏ إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته‏)‏ فزجره النبى عن ذلك، لأنه قد سب الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين وخص آدم بالذكر، لأنه هو الذى ابتدئت خلقه وجهه على الحد الذى تخلق عليها سائر ولده، فالهاء على هذا الوجه كناية عن المضروب فى وجهه‏.‏

وذهب طائفة إلى الهاء كناية عن الله تعالى وهذا أضعف الوجوه، لأن حكم الهاء أن ترجع إلى أقرب المذكور، إلا أن تدل دلالة على خلاف ذلك، وعلى هذا التأويل يكون معنى الصورة معنى الصفة كما يقال‏:‏ عرفنى صورة هذا الأمر أى صفته ولا صورة للأمر على الحقيقة إلا على معنى الصفة، ويكون تقدير التأويل أن الله خلق آدم على صفته أى خلقه حيًا عالمًا سمعيًا بصيرًا متكلمًا مختارًا مريدًا، فعرفنا بذلك إسباغ نعمه عليه وتشريفه بهذه الخصال‏.‏

ونظرنا فى الإضافات إلى الله فوجدناها على وجوه، منها إضافة الفعل، كما يقال‏:‏ خلق الله، وأرض الله، وسماء الله، وإضافة الملك فيقال‏:‏ رزق الله، ووعيد الله، وإضافة اختصاص وتنويه بذكر المضاف إليه، كقولهم‏:‏ الكعبة بيت الله، وكقوله‏:‏ ‏(‏ونفخت فيه من روحي ‏(‏ووجه آخر من الإضافة نحو قولهم‏:‏ كلام الله، وعلم الله، وقدرة الله، وهى إضافة اختصاص من طريق القيام به، وليس من وجهة الملك والتشريف بل ذلك على معنى إرادته غير متعرية منها قيامًا بها ووجودًا‏.‏

ثم نظرنا إلى إضافة الصورة إلى الله فلم يصح أن يكون وجه إضافتها إليه على نحو إضافة الصفة إلى الموصوف بها من حيث تقوم به، لاستحالة أن يقوم بذاته تعالى حادث فبقى من وجوه الإضافة الملك والفعل والتشريف، فأما الملك والفعل فوجهه عام وتبطل فائدة التخصيص فبقى إنها إضافة تشريف، وطريق ذلك أن الله هو الذى ابتدأ تصوير آدم إضافة تشريف، وطريق ذلك أن الله هو الذى ابتدأ تصوير آدم على مثال سبق بل اخترعه، ثم اخترع من بعده على مثاله، فتشرفت صورته بالإضافة إليه لا أنه أريد به إثبات صورة لله تعالى على التحقيق هو بها مصور، لأن الصورة هى التألف والهيئة، وذلك لا يصح إلا على الأجسام المؤلفة، والله تعالى عن ذلك‏.‏

باب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم‏}‏ الآية

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِى الْحَسَنِ لِلْحَسَنِ‏:‏ إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنّ، َ قَالَ‏:‏ اصْرِفْ بَصَرَكَ ‏[‏عَنْهُنَّ‏]‏‏.‏

وقَوله اللَّهِ‏:‏ ‏(‏قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ‏}‏ ‏[‏النور 30‏]‏‏.‏

وقال قَتَادَة، عَمَّا لا يَحِلُّ لَهُمْ‏:‏ ‏(‏وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏،‏)‏ خَائِنَةَ الأعْيُنِ‏}‏ ‏[‏غافر 14‏]‏ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا نُهِىَ عَنْهُ‏.‏

وقال الزُّهْرِىُّ، فِى النَّظَرِ إِلَى الَّتِى لَمْ تَحِضْ مِنَ النِّسَاءِ‏:‏ لا يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَىْءٍ مِنْهُنَّ مِمَّنْ يُشْتَهَى النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً‏.‏

وَكَرِهَ عَطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الْجَوَارِى الَّتِى يُبَعْنَ بِمَكَّةَ إِلا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ‏.‏

- فيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، أَرْدَفَ النَّبِىّ عليه السلام الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ عَلَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ، وَكَانَ الْفَضْلُ رَجُلا وَضِيئًا، فَوَقَفَ الرسول عليه السلام لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ وَضِيئَةٌ تَسْتَفْتِى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَالْتَفَتَ النَّبِى عليه السلام وَالْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ، فَأَخَذَ بِذَقَنِ الْفَضْلِ، فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏(‏إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ‏)‏، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ، نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِذْ أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ‏)‏، قَالُوا‏:‏ وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْى عَنِ الْمُنْكَرِ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ قال قتادة وإبراهيم ومجاهد فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحتى تستأنسوا ‏(‏قالوا‏:‏ حتى تستأذنوا وتسلموا‏.‏

وقال سعيد بن جبير‏:‏ الاستئناس‏:‏ الاستئذان، وهو فيما أحسب من خطأ الكاتب، وروى أيوب عنه عن ابن عباس‏:‏ إنما هو حتى تستأذنوا، سقط من الكاتب‏.‏

قال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏من خطأ الكاتب‏)‏ هو قول سعيد بن جبير أشبه منه بقوله ابن عباس، لأن هذا مما لا يجوز أن يقوله أحد، إذ كان القرآن محفوظًا قد حفظه الله من أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏.‏

وقد روى عن مجاهد أن الاستئناس‏:‏ التنجح والتنخم إذا أراد أن يدخل‏.‏

وروى ابن وهب عن مالك قال‏:‏ الاستئناس‏:‏ الجلوس قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا مستأنسين لحديث ‏(‏وقال عمر حين ودخل على النبى فى حديثه المشربة‏:‏ ‏(‏أستأنس يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نعم فجلس عمر‏)‏‏.‏

قال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ وأحسب معنى الاستئناس، والله أعلم، إنما هو أن يستأنس بأن الذى يدخل عليه لا يكره دخوله، يدل على ذلك قوله عمر للنبى‏:‏ ‏(‏أستأنس يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نعم فجلست‏)‏ قال إسماعيل‏:‏ فدل قوله‏:‏ ‏(‏أستأنس‏)‏ على أنه أحب أن يعلم أن النبي لا يكره جلوسه، وهذا مما يضعف ما روى عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس‏.‏

قال المهلب‏:‏ ومعنى الاستئذان هو خوف أن يفجأ الرجل أهل البيت على عورة فينظر ما لا يحل له، يدل على ذلك قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إنما جعل الاستئذان للبصر‏)‏ وغض البصر مأمور به، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل للمؤمنين من أبصارهم‏}‏، ‏{‏وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن‏}‏ ألا ترى صرف النبى وجه الفضل عن المرأة ونهيه عليه السلام عن الجلوس على الطرقات إلا أن يغض البصر، وإنما أمر الله بغض الأبصار عما لا يحل لئلا يكون البصر ذريعة إلى الفتنة، فإذا أمنت الفتنة فالنظر مباح، ألا ترى أن النبى حول وجه الفضل حين علم بإدامته النظر إليها أنه أعجبه حسنها فخشى عليه فتنة الشيطان‏.‏

وفيه‏:‏ مغالبة طباع البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن‏.‏

وفيه‏:‏ أن نساء المؤمنين ليس لزوم الحجاب لهم فرضًا فى كل حال كلزومه لأزواج النبى، ولو لزم جميع النساء فرضًا لأمر النبى الخثعمية بالاستتار، ولما صرف وجه الفضل عن وجهها، بل كان يأمره بصرف بصره، ويعلمه أن ذلك فرضه، فصرف وجهه عليه السلام وقت خوف الفتنة وتركه قبل ذلك الوقت‏.‏

وهذا الحديث يدل أن ستر المؤمنات وجوههن عن غير ذوى محارمهن سنه، لإجماعهم أن المرأة أن تبدى وجهها فى الصلاة، ويراه منها الغرباء، وأن قوله‏:‏ ‏{‏قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم‏}‏ على الفرض فى غير الوجه، وأن غض البصر عن جميع المحرمات وكل ما يخشى منه الفتنة واجب، وقد قال النبى عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا تتبع النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الثانية، وهذا معنى دخول من فى قوله‏:‏ ‏{‏من أبصارهم‏}‏ لأن النظرة الأولى لا تملك فوجب التبعيض لذلك، ولم يقل ذلك فى الفروج، لأنها تملك‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فأخلف يده فأخذ بذقن الفضل‏)‏ قال صاحب الأفعال‏:‏ يقال‏:‏ أخلف الرجل بيده إلى سيفه‏:‏ مدها إليه ليأخذه عند حاجته إليه، وأخلف إلى مؤخر راحلته أو فرسه كذلك‏.‏

باب‏:‏ السلام اسم من أسماء الله تعالى

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حييتم فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏}‏ - فيه‏:‏ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ‏:‏ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قُلْنَا‏:‏ السَّلامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلامُ عَلَى فُلانٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

قال المؤلف‏:‏ مصداق هذا الحديث فى قوله الله تعالى‏:‏ ‏{‏القدوس السلام المؤمن ‏(‏والأسماء إنما تؤخذ توقيفًا من الكتاب والسنة، ولا يجوز أن يسمى الله بغير ما سمى به نفسه، ولما كان السلام من أسماء الله لم يجز أن يقال‏:‏ السلام على الله، وجاز أن يقال‏:‏ السلام عليكم، لأن معناه الله عليكم‏.‏

والعلماء مجمعون أن بأبتداء بالسلام سنه مرغب فيها، ورده فريضة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فحيوا بأحسن منها أو ردوها ‏(‏ومن الدليل أن الابتداء به سنة قوله عليه السلام فى المتهاجرين‏:‏ ‏(‏وخيرهم الذى يبدأ بالسلام‏)‏ وذهب مالك والشافعى إلى أنه سلم رجل على جماعة فرد عليه واحد منهم أجزأ عنهم، ودخل فى معنى قوله‏:‏ ‏(‏فحيوا بأحسن منها أو ردوها ‏(‏لأنه قد رد عليه مثل قوله، وشبهوه بتشميت العاطس، وقالوا‏:‏ هو من فروض الكفاية كالجهاد، وطلب العلم ودفن الموتى، وصلاة الجماعة، يقوم بها البعض، ولا يحل الاجماع على تضييعها‏.‏

وروى مالك، عن زيد بن أسلم ‏(‏أن النبى عليه السلام قال إذا سلم واحد من القوم أجزأ عنهم‏)‏‏.‏

وروى أبو داود، عن على بن أبى طالب مثله، وقال‏:‏ يجزىء من الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزىء عن الجلوس إذا رد أحدهم‏.‏

وذهب الكوفيون إلى أن رد السلام من الفروض المتعينة على كل إنسان بعينه، ولا ينوب فيها فيها غير‏.‏

قالوا‏:‏ والإسلام خلاف رد السلام‏.‏

لأن الابتداء به تطوع، ورده إنسان بعينه، ولا ينوب فيها غيره‏.‏

قالوا‏:‏ والسلام خلاف رد السلام‏.‏

لأن الابتداء به تطوع، ورده فريضة، ولو رد غير المسلم عليهم لم يسقط ذلك عنهم فرض الرد، فدل أن السلام يلزم كل إنسان بعينه‏.‏

وأنكر أبو يوسف مرسل مالك، ورد عليهم أهل المقالة الأولى فقالوا‏:‏ قد يكون من السنن مايسد مسد الفرائض، كغسل الجمعة‏.‏

يجزىء عن غسل الجنابة- عند جماعة من العلماء- وكغسيل اليدين قبل الوضوء يجزء عن غسيلها مع الذراعين فى الوضوء- فى قول عطاء‏.‏

وقولهم‏:‏ لو رد غير المسلم عليم لم يجزىء، فكذلك نقول وإنما يجزى عن غسلها مع الذراعين فى الوضوء- فى قول عطاء‏.‏

وقولهم‏:‏ لو رد غير المسلم عليهم لم يجزىء، فكذلك نقول وإنما يجزىء أن يرد واحد ممن سلم عليهم عليهم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فحيوا بأحسن منها أو ردوها ‏(‏فإنما أمر الله تعالى بالرد المسلم عليهم لا غيرهم، ألا ترى لو أن العدو حل ببلده، فلم يقاتل أهلها المسلمون، وقاتل عنهم قوم من أهل الكتاب ما سقط الفرض عنهم، فكذلك إذا رد المسلم من لم يسلم عليه، لم يجزىء عن الرادين فحكم السلام حكم الرد، لأن الرد سلام عند العرب‏.‏

وقد قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏يسلم القليل على الكثير‏)‏ ولما أجمعوا أن الواحد يسلم على الجماعة، ولا يحتاج إلى تكريره على عدد الجماعة، كذلك يرد الواحد من الجماعة على الواحد، وينوب عن الباقين، وانكارهم لمرسل مالك لا وجه له، لأنهم لامسند عندهم فى قولهم ولا مرسل، فالمصير إلى المرسل أولى من المصير إلى رأى يعاض بمثله‏.‏

باب‏:‏ يسلم القليل على الكثير

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ‏)‏‏.‏

وترجم له باب تسليم الراكب على الماشى، وقال فيه عن الرسول‏:‏ ‏(‏يسلم الراكب على الماشى، والماشى على القاعدة، والقليل على الكثير‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ هذه آداب من النبى عليه السلام وأما وجه تسليم الصغيرعلى الكبير فمن أجل حق الكبير على الصغير بالتواضع له والتوقير، وتسليم المار على القاعدة هو من باب الداخل على القوم فعليه أن يبدأهم بالسلام، وكذلك فعل آدم بالملائكة حين قيل له‏:‏ اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس‏.‏

وتسليم القليل على الكثير من باب التواضع أيضًا، لأن حق الكثير أعظم من حق القليل، وكذلك فعل أيضًا آدم كان وحده والملأ من الملائكة كثير حين أمر بالسلام عليهم‏.‏

وسلام الراكب على الماشى لئلا يتكبر بركوبه على الماشى فأمر بالتواضع‏.‏

باب‏:‏ إفشاء السلام

- فيه‏:‏ الْبَرَاءِ، أَمَرَنَا النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ‏:‏ ‏(‏بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

قال الطبرى‏:‏ إن قال قائل‏:‏ هذه الخلا التى أمر النبى عليه السلام بها من حق المسلم، هل هى من الحقوق التى إن لم يؤدها كان بتركها حرجًا ولربه عاصيًا أم لا‏؟‏‏.‏

قيل‏:‏ منها ما يكون بتركها حرجًا، ومنها ما يكون غير حرج، ومنها ما يكون بتركها حرجًا فى حال وغير حرج فى أخرى‏.‏

فإن قيل‏:‏ فبين لنا ذلك‏.‏

قيل‏:‏ أما الذى يكون بفعلها محمودًا وبتركها حرجًا فى كل حال فنصر الضعيف وعون المظلوم، وذلك أن النبى عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا‏)‏ وقال‏:‏ إن المؤمنين جميعًا كالجسد الواحد، وعلى المرء أن يسعى لصلاح كل عضو من أعضاء جسده سعيه لبعضها، فكذلك عليهم فى اخوانهم فى الدين وشركائهم فى المله، وإنصارهم على الأعداء من نصرهم وعونهم مثل ماعليهم من ذلك فى أنفسهم لأنفسهم، إذ كان بعضهم عونًا لبعض وجميعهم يد على العدو‏.‏

ولذلك خاطبهم تعالى فى كتابه فقال‏)‏ ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ‏(‏إذ كان القاتل منهم غيره بمنزله القاتل نفسه، ولم يقل لهم لايقتل بعضكم بعضًا، إذ كان المؤمن لأخيه المؤمن بمنزله نفسه فى التعاون على البر والتقوى، يؤلم كل واحد منهما مايؤلم الآخر، ألا ترى أن الله تعالى نهى المؤمنين أن يلمز بعضهم بعضًا، وأن يتنابزوا بالألقاب، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تلمزوا أنفسكم ‏(‏فجعل الامز أخاه لامزًا نفسه، إذ كان أخوه بمنزله نفسه، ومعلوم أنه لا أحد صحيح العقل يلمز نفسه، فعلم أن معناه لا يلمز أحدكم المؤمن‏.‏

ومما هو فرض فى كل حال إبرار القسم، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واحفظوا أيمانكم‏}‏‏.‏

وأما التى هى فرض فى بعض الأحوال دون بعض وفضل فى بعضها فشهود جنازة الأخ المؤمن، فالحال التى هو فيها فرض إذا لم يكن للجنازة قيم غيره، أو يكون ولا يستغنى عن حضوره أياها، فلا يسعه حينئذ ترك حضورها، وذلك أن الذى يلزم من أمر موتى المسلمين للأحياء غسلهم وتكفينهم والصلاة عليهم ودفنهم، وذلك فرض على الكفاية، فمن قام بذلك منهم سقط فرضه عن سائرهم‏.‏

ومن أيضًا تشميت العاطس إذا حمد الله، فإنه فرض على جميع من سمع عطاسه وحمده لله تشميته، حتى إذا شمته بعضهم سقط فرض ذلك عن سائرهم‏.‏

وأما الذى هو بفعلها محمود وبتركها غير مذموم فالسلام عليه إذا لقيه، فإن المبتدىء أخاه بالسلام له الفضل كما قال عليه السلام فى المتهاجرين ‏(‏وخيرهما الذى يبدأ بالسلام‏)‏‏.‏

ومن ذلك عيادته لأخيه إذا مرض، وإجابته إلى طعام إذا دعاه إليه، فإن تارك ذلك فضل لاتارك فرض، لإجماع الجميع على ذلك، وقد تقدم جملة من معنى هذا الحديث فى كتاب الجنائز، وكتاب المظالم فى باب نصر المظلوم، وفى كتاب النكاح فى باب إجابة دعوة الوليمة، وسيأتى بقيته فى كتاب اللباس‏.‏

باب‏:‏ السلام للمعرفة وغير المعرفة

- فيه‏:‏ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم أَى الإسْلامِ خَيْرٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏(‏لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلامِ‏)‏‏.‏

هذا أيضا من باب الأدب ولتواضع، وفى السلام لغير المعرفة استفتاح للخلطة، وباب الأنس ليكون المؤمنون كلهم إخوة، ولا يستوحش أحد من أحد، وترك السلام لغير المعرفة يشبه صدود المتصارمين المنهى عنه فينبغى للمؤمن أن يجتنب مثل ذلك‏.‏

وقد روى ابن مسعود عن النبى عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏(‏من أشراط الساعة السلام للمعرفة‏)‏ وروى عبد الرزاق عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أنه كان يدخل السوق فيما يلقى صغيرًا ولا كبيرًا إلا سلم عليه، ولقد مر بعبد أعمى فجعل يسلم عليه والآخر لايرد عليه، فقيل له‏:‏ إنه أعمى‏)‏ وكان السلف من المحافظة على رد السلام كما ذكر معمر قال‏:‏ ‏(‏كان الرجلان من أصحاب النبى عليه السلام مجتمعين فتفرق بينهما شجرة، ثم يجتمعان فيسلم أحدهما على الآخر‏)‏‏.‏

ومما يدل على تأكيد السلام على أكل أحد أن الله تعالى- قد أمر الداخل بيتًا غير مسكون بالسلام عند دخوله‏.‏

وروى عن ابن عباس والنخعى وعطاء وعكرمة وقتادة فى قول الله- تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم‏}‏ قالو‏:‏ إذا دخلت بيتًا ليس فيه أحد فقل‏:‏ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين‏.‏

فإن الملائكة ترد عليك، وهذا يدل أن الداخل بيتًا مسكونًا أولى بالسلام‏.‏

وروى ابن وهب، عن حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم أن رسول الله عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها واذكروا اسم الله، فأن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته وذكر اسم الله على طعامه، يقول الشيطان لأصحابه‏:‏ لا مبيت لكم هاهنا ولاعشاء وإذا لم يسلم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه، قال الشيطان لأصحابه‏:‏ أدركتم المبيت والعشا‏)‏‏.‏

باب‏:‏ آية الحجاب

- فيه‏:‏ أَنَس، أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ النّبِىّ عليه السَّلام الْمَدِينَةَ، فَخَدَمْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَشْرًا حَيَاتَهُ، وَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ، فكَانَ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِى عَنْهُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِى مُبْتَنَى النّبِىّ صلى الله عليه وسلم بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ رسول الله بِهَا عَرُوسًا، فَدَعَا الْقَوْمَ، فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ خَرَجُوا، وَبَقِى مِنْهُمْ رَهْطٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام فَخَرَجَ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ كَىْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام وَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَتَفَرَّقُوا، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَظَنَّ أَنهمْ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَأُنْزِلَ االْحِجَابِ، فَضَرَبَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ سِتْرًا‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، كَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنّبِىّ، عليه السَّلام‏:‏ احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكن نساء النَّبِى صلى الله عليه وسلم يَخْرُجْنَ لَيْلا إِلَى لَيْلٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَرَآهَا عُمَرُ، وَهُوَ فِى الْمَجْلِسِ، فَقَالَ‏:‏ عَرَفْتُكِ يَا سَوْدَةُ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الْحِجَابُ، قَالَتْ‏:‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْحِجَابِ‏.‏

قال الطبرى‏:‏ فى حديث عائشة فرض الحجاب على أزواج النبى عليه السلام لقول عمر للنبى ‏(‏أحجب نساءك‏)‏ وقال فى حديث آخر‏:‏ ‏(‏يا رسول الله، لو حجبت أمهات المؤمنين فإنه يدخل عليهن البر والفاجر‏.‏

فنزلت آيه الحجاب‏)‏‏.‏

قال غيره‏:‏ ويدل على صحة ذلك قول الفقهاء أن إحرام المرأة فى وجهها كفيها، وإجماعاعهم أن لها أن تبرز وجهها للأشهاد عليها، ولايجوز ذلك فى أمهات المؤمنين‏.‏

وقد اختلف السلف فى تأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يبدين زينتهن إلا ماظهر منها ‏(‏فذهب طائفة إلى أن قوله‏:‏ ‏{‏إلا ماظهر منها‏}‏‏:‏ الكحل والخاتم وقيل‏:‏ الخضاب والسوار والقرط والثياب‏.‏

وقال أكثر أهل العلم‏:‏ ‏{‏إلا ما ظهر منها‏}‏ الوجه والكفان، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وأنس، وهو قول مكحول وعطاء والحسن‏.‏

قال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ قد جاء التفسير ماذكر، والظاهر والله أعلم- يدل على أنه الوجه والكفان، لأن المرأة يجب عليها أن تستر فى الصلاة كل موضع منها إلا وجهها وكفيها، وفى ذلك دليل أن الوجه والكفين يجوز للغرباء أن يروه من المرأة، والله أعلم بما أراد من ذلك‏.‏

وسيأتى بقية الكلام فى حديث أنس فى باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن اصحابه وتهيأ للقيام ليقوم الناس فى هذا الجزء إن شاء الله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب‏)‏‏:‏ أنه يجوز للعالم أن يصف ماعنده من العلم لسائله عنه على وجه التعريف بما عنده منه لا على سبيل الفخر والإعجاب‏.‏

باب‏:‏ الاستئذان من أجل البصر

- فيه‏:‏ سَهْلِ، اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِى حُجَرِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم وَمَعَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ؛ لَطَعَنْتُ بِهِ فِى عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ أَنَس‏:‏ أَنَّ رَجُلا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ، أَوْ بِمَشَاقِصَ، فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ فى هذا الحديث تبين معنى الاستئذان وأنه إنما جعل خوف النظر إلى عورة المؤمن وما لا يحل منه، وفى الموطأ عن عطاء ابن يسار‏:‏ ‏(‏أن رجلاً قال‏:‏ يا رسول الله، أستأذن على أمى‏؟‏ قال نعم‏.‏

قال‏:‏ أنى معها فى البيت‏.‏

قال أستأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فأستأذن عليها‏)‏‏.‏

وروى عن على بن أبى طالب أنه قال‏:‏ لا يدخل الغلام إذا اتحتم على أمه، ولا على اخته إلا بإذن وأصل هذا الكلام فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم‏}‏ الآية‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ فأما ذكور المماليك فعليهم الاستئذان فى الأحوال كلها‏.‏

وهذا الحديث مما يرد قول أهل الظاهر، ويكشف غلطهم فى إنكارهم العلل والمعانى، وقولهم أن الحكم للأسماء خاصة، لأنه عليه السلام علل الاستئذان أنه إنما جعل من قبل البصر، فدل ذلك على أن النبى عليه السلام أوجب اشياء وحظر أشياء من أجل معان علق التحريم بها، ومن أبى هذا رد نص السنن‏.‏

وقد نطق القرآن بمثل هذا كثيرًا من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلنا فى الأرض رواسى أن تميد بهم ‏(‏وقال‏:‏ ‏(‏وما أفأ الله على رسوله من أهل القرى‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏كى لا يكون دوله بين الأغنياء منكم ‏(‏وقال‏:‏ ‏(‏لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ‏(‏وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك جزيناهم ببغيهم ‏(‏فى مواضع كثيرة يكثر عددها، فلا يلتفت إلى من خالف ذلك‏.‏

باب‏:‏ زنا الجوارح دون الفرج

- فيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وزنا العين‏:‏ فيما زاد على النظرة الأولى التى لا تملك مما يديم النظر إليه على سبيل الشره والشهوة، وكذلك زنا المنطق‏:‏ فيما يلتذ به من محادثه من ال يحل له ذلك منه، وزنا النفس‏:‏ تمنى ذلك وتشتهيه، فذلك كله سمى زنا، لأنه من دواعى زنا الفرج، ودل قوله‏:‏ ‏(‏إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، وأدرك ذلك لا محالة‏)‏ أن ابن آدم لا يخلص من ذلك‏.‏

قال المهلب‏:‏ وكل ما كتبه الله على ابن آدم فهم سابق فى علم الله لابد أن يدركه المكتوب عليه، وإن الإنسان لايملك دفع عن نفسه غير أن الله تعالى تفضل على عباده وجعل ذلك لممًا وصغائر لايطالب بها عباده إذا لم يكن للفرج تصديق لها، فإذا صدقها الفرج كان ذلك من الكبائر، رفقا من الله بعباده، ورحمة لهم، لما جبلهم عليه من ضعف الخلقة، ولو آخذ عباده باللمم أو ما دونه من حديث النفس لكان ذلك عدلا منه فى عباده وحكمة، لا يسأل عما يفعل وله الحجة البالغة، لكن قبل منهم اليسير وعفا لهم عن الكثير تفضلاً منه وإحسانًا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لا محالة‏)‏ يعنى‏:‏ لا حيلة له فى التخلص من إدراك ما كتب عليه‏.‏

باب‏:‏ التسليم والاستئذان ثلاثًا

- فيه‏:‏ أَنَس، كَانَ النّبِىّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاثًا‏.‏

- وفيه‏:‏ أبو سعيد الخدرى قال‏:‏ كنت فى مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال‏:‏ أستأذنت على عمر ثلاثا، فلم يؤذن لى فرجعت، قال‏:‏ مامنعك‏؟‏ قلت‏:‏ استأذنت ثلاثا، فلم يؤذن فرجعت، وقال رسول الله‏:‏ ‏(‏إذا استأذن أحدكم ثلاثا، فلم يؤذن له فليرجع‏)‏، فقال‏:‏ والله لتقيمن عليه بينه، أمنكم أحد سمعه من النبى- عليه السلام‏؟‏ قال أُبى بن كعب‏:‏ والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد‏:‏ فكنت أصغر القوم فقمت معه، فأخبرت عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك‏.‏

قال المهلب‏:‏ أما تسليمه صلى الله عليه ثلاثا وكلامه ثلاثا فهو ليبالغ فى الافهام والاسماع، وقد أورد الله ذلك فى القرآن فكرر القصص والاخبار والأوامر ليفهم عباده، وليتدبر السامع فى المرة الثانية والثالثة مالم يتدبر فى الأولى، وليرسخ ذلك فى قلوبهم‏.‏

والحفظ إنما هو تكرر الدراسة للشىء المرة الواحدة، وقول أنس‏:‏ أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا‏.‏

يريد فى أكثر أمره، وأخرج الحديث مخرج العموم، والمراد به الخصوص‏.‏

قال غيره‏:‏ واختلف العلماء فى تأويل قوله‏:‏ ‏(‏الاستئذان ثلاثًا‏)‏ فقالت طائفة‏:‏ معنى قوله‏:‏ فإن أذن له وإلا فليرجع ان شاء، فإن شاء زاد على الثلاث لا أنه واجب عليه أن يرجع‏.‏

قال ابن نافع‏:‏ لا بأس أن عرفت أحدًا أن تدعوه أن يخرج اليك وتنادى به مابدا لك‏.‏

وروى ابن وهب عن مالك قال‏:‏ الاستئذان ثلاثا، لاحب لأحد أن يزيد عليها إلا من علم أنه لم يسمع، فلا بأس أن يزيد‏.‏

وظاهر حديث أبى موسى يرد هذا القول، لأن أبا موسى حمل الحديث على أنه لايزاد على ثلاث مرات، ودل أنه على ذلك تلقى معناه من النبى عليه السلام ولو كان عند أبى موسى أنه يجوز الزيادة على الثلاث فى الاستئذان لم يكن مخالفًا لمذهب عمر ابن الخطاب، ولم يحتج أبو موسى أن ينزع بقوله عليه الساسلام‏:‏ ‏(‏الاستئذان ثلاثًا‏)‏ حين أنكر عليه عمر ترك الزيادة الزيادة على الثلاث‏.‏

وقد زعم قوم من أهل البدع أن مذهب عمر رد قبول خبر الواحد العدل، وهذا خطأ فى التأويل وجهل بمذهب عمر وغيره من السلف‏.‏

وقد جاء فى بعض طرق هذا الحديث أن عمر قال لأبى موسى‏:‏ ‏(‏أما انى لم أتهمك، ولكنى أردت ألا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله‏)‏‏.‏

ففيه من الفقه التثبيت فى خبر لما يجوز عليه من السهو وغيره، وحكم عمر بخبر الواحد أشهر من أن يخفى، وقد قبل خبر الضحاك ابن سفيان وحده فى ميراث المرأة من ديه زوجها، وقبل خبر حمل بن مالك الهذلى الاعرابى فى أن ديه الجنين غره عبد أو أمه، وقبل خبر عبد الرحمن بن عوف فى الجزية وفى الطاعون، ولا يشك ذو لب أن أبا موسى أشهر فى العدالة من الاعرابى الهذلى‏.‏

وقد قال فى حديث السقيفة‏:‏ إنى قائل مقالة فمن حفظها ووعاها فليتحدث بها، فكيف يأمر من سمع قوله أن يحدث به، وينهى عن الحديث عن رسول الله ولا يقبل خبر الواحد‏؟‏ هذا لايقوله إلا معاندًا وجاهل‏.‏

وفيه‏:‏ أن العالم المستبحر قد يخفى عليه من العلم مايعلمه من هو دونه، وإلاحاطة لله وحده‏.‏

باب‏:‏ إذا دعى الرجل فجاء هل يستأذن

وقَالَ سَعِيدٌ‏:‏ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏(‏هُوَ إِذْنُهُ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، دَخَلْتُ مَعَ النّبِىّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ لَبَنًا فِى قَدَحٍ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَبَا هِرٍّ، الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ، فَادْعُهُمْ إِلَىَّ‏)‏ قَالَ‏:‏ فَأَتَيْتُهُمْ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا، فَأُذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا‏.‏

قال المهلب‏:‏ إذا دعى وأتى مجيبا للدعوة، ولم تتراخ المدة فهذا دعاؤه إذنه فأتى فى غير حين الدعاء فأنه يستأذن وكذلك إذا دعى إلى موضع لم يعلم أن به أحدًا مأذونًا له فى الدخول أنه لايدخل حتى يستأذن، فإن كان فيه أحد مأذونا له مدعوًا قبله فلا بأس أن يدخل بالدعوة، وان تراخت الدعوة وكان بين ذلك زمن يمكن الداعى أن يخلو فى أمره أو يتعدى لبعض شأنه، أو يتصرف أهل داره فلا يفتئت بالدعوة على الدخول حتى يستأذن كحديث مجاهد عن أبى هريرة، هذا وجه تأويل الحديثين، والله أعلم‏.‏

باب‏:‏ التسليم على الصبيان

- فيه‏:‏ أَنَس، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ‏:‏ كَانَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ سلام النبى صلى الله عليه وسلم على الصبيان من خلفه العظيم، وأدبه الشريف وتواضعه عليه السلام، وفيه تدريب لهم على تعليم السنن، ورياضة لهم على آدابه الشريعة ليبلغوا حد التكليف وهم متأدبون بأدب الإسلام، وقد كان عليه السلام يمازح الصبيان ويداعبهم ليقتدى به فى ذلك، فما فعل شيئًا وان صغير إلا ليسن لأمته الاقتداء به، والاقتداء لأثره، وفى ممازحته للصبيان تذليل النفس على التواضع ونفى التكبر عنها‏.‏

باب‏:‏ تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال

- فيه‏:‏ سَهْلٍ، قَالَ‏:‏ كُنَّا نَفْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ‏[‏قُلْتُ‏:‏ وَلِمَ‏؟‏ قَالَ‏]‏‏:‏ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ- قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ‏:‏ نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ- فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ، فَتَطْرَحُهُ فِى قِدْرٍ، وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا، نُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَدِّمُهُ لْنَا، فَنَفْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمَا كُنَّا نَقِيلُ، وَلا نَتَغَدَّى إِلا بَعْدَ الْجُمُعَةِ‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، قَالَ النّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ‏)‏، قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، تَرَى مَا لا نَرَى، تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

تَابَعَهُ معمر، وَقَالَ يُونُسُ، وَالنُّعْمَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ‏:‏ ‏(‏وَبَرَكَاتُهُ‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ السلام على النساء جائز إلا على الشابات منهم فإنه يخشى أن يكون فى مكالمتهن بذلك خائنة أعين أو نزعه شيطان، وفى ردهن من الفتنة مما خيف من ذلك أن يكون ذريعة يوقف عنه، إذ ليس ابتداؤه فريضة، وإنما الفريضة منه الرد، وأما المتجالات والعجائز فهو حسن، إذ ليس فيه خوف ذريعة، هذا قول قتادة، واليه ذهب مالك وطائفة من العلماء‏.‏

وقال الكوفيون‏:‏ لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن منهن ذوات محارم‏.‏

وقالوا‏:‏ لما سقط عن النساء الأذان والاقامة والجهر بالقراءة فى الصلاة سقط عنهن رد السلام، فلا يسلم عليهن‏.‏

وقال ابن وهب‏:‏ بلغنى عن ربيعة أنه قال‏:‏ ليس على النساء التسليم على الرجال، ولا على الرجال التسليم على النساء، وحجة مالك ومن وافقه حديث سهل أنهم كانوا يسلمون على العجوز يوم الجمعة مع النبى عليه السلام ولم تكن ذات محرم منهم، وأيضًا حديث عائشة أن النبى بلغها سلام جبريل، وفى ذلك أعظم الأسوة والحجة‏.‏

وقال صاحب الأفعال‏:‏ الكركرة‏:‏ تصريف الرياح السحاب إذا جمعته بعد تفرق، وتكركر السحاب إذا تراد فى الهواء‏.‏

باب‏:‏ إذا قال من ذا فقال أنا

- فيه‏:‏ جَابِرَ، أَتَيْتُ النَّبِى صلى الله عليه وسلم فِى دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِى، فَدَفَعْتُ الْبَابَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَنْ ذَا‏)‏‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ أَنَا، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَنَا، أَنَا‏)‏، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا‏.‏

قال المهلب‏:‏ إنما كره عليه السلام قول جابر‏:‏ لأنه ليس فى ذلك بيان إلا عند من يعرف الصوت، وأما عند من يمكن أن يشتبه عليه فهو من التعنيت، فلذلك كرهه، وقد قال بعض الناس‏:‏ ينبغى أن يكون لفظ الاستئذان بالسلام، وزعم أن النبى إنما كره قول جابر‏:‏ لأنه لم يستأذن عليه بلفظ السلام‏.‏

وفيه‏:‏ جواز ضرب باب الحاكم واخراجه من داره لبعض مايعزى إليه و يبين هذا قصهة كعب بن مالك، وابن أبى حدرد، وليس كما قال بعض الناس أنه لا يعرض للحكم إلا عند جلوسه‏.‏

باب‏:‏ من رد فقال عليك السلام

وَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ‏.‏

وقال النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏رَدَّ الْمَلائِكَةُ عَلَى آدَمَ‏:‏ السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وَعَلَيْكَ السَّلامُ، ارْجِعْ فَصَلِّ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

اختلفت الأثار فى هذا الباب فروى أن النبى عليه السلام قال فى رد السلام‏:‏ عليك السلام، وقال فى رد اللائكة على آدم‏:‏ السلام عليك، وفى كتاب الله تعالى تقديم السلام على اسم المسلم عليه، وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سلام على إل ياسين ‏(‏و‏)‏ سلام على موسى وهارون ‏(‏وقال فى قصة إبراهيم‏:‏ ‏(‏رحمة الله وبركاتة عليكم أهل البيت ‏(‏وقد جاء حديث رواه أبو عفان عن أبى تميمة الهجيمى، عن أبى دريد- أو أبى جرى-‏:‏ ‏(‏أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ عليك السلام يا رسول الله‏.‏

فقال له‏:‏ لاتقل عليك السلام فهى تحية الموتى، قل‏:‏ السلام عليك‏)‏ وهذا الحديث لايثبت، وقد صح الوجهان عن النبى عليه السلام إلا أنه جرت عادة العرب بتقديم اسم المدعو عليه فى الشر خاصة كقولهم‏:‏ عليه لعنة الله وغضب الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأن عليك لعنتى إلى يوم الدين ‏(‏وقال فى المتلاعنين‏)‏ والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ‏(‏وفى لعان المرأة‏:‏ ‏{‏والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين‏}‏ وروى يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمه، عن أبى هريرة أن رسول الله قال‏:‏ ‏(‏السلام من أسماء الله، فأفشوه بينكم‏)‏ فإذا صح هذا الحدديث، فالاختيار فى التسليم والأدب فيه تقديم اسم الله تعالى على اسم المخلوق‏.‏

فإن فعل فاعل غير ذلك وقدم اسم المسم عليه على اسم الله تعالى فلم يأت محرمًا، ولا حرج عليه لثبوت ذلك عن النبى- عليه السلام‏.‏

وأما قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏عليك السلام تحية الموتى‏)‏ فقد ثبت عن النبى أنه قال فى سلامه على القبور‏:‏ ‏(‏السلام عليكم دار قوم مؤمنين وحياهم بتحية الأحياء‏)‏، وقال ابن أبى زيد‏:‏ يقول السلام عليكم، فيقول الراد‏:‏ وعليكم السلام، أو يقول‏:‏ سلام عليكم كما قيل له، وهو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو ردوها ‏(‏وأكثر ما ينتهى السلام إلى البركة، وهو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فحيوا بأحسن منها ‏(‏ولا تقل فى ردك‏:‏ سلام عليك‏.‏

باب‏:‏ إذا قال فلان يقرئك السلام

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا‏:‏ ‏(‏إِنَّ جِبْرِيلَ يُقْرِئُكِ السَّلامَ‏)‏، قَالَتْ‏:‏ وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ‏.‏

هذا حجة فى أن من بلغ إليه سلام غائب عنه أن يرد عليه السلام كما يرد على الحاضر، وروى أيوب، عن أبى قلابة‏:‏ ‏(‏أن رجلاً أتى سلمات الفارسى فقال له‏:‏ إن أبا الدرداء يقول‏:‏ عليك السلام‏.‏

قال‏:‏ متى‏؟‏ قال‏:‏ منذ ثلاث، قال‏:‏ أما أنك لو لم تؤدها كانت أمانة عندك‏)‏‏.‏

باب‏:‏ التسليم فى مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين

- فيه‏:‏ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِى صلى الله عليه وسلم رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، حَتَّى مَرَّ فِى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفِيهِمْ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ بْنُ سَلُولَ، وَفِى الْمَجْلِسِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُبَى أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ لا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِى صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

قال الطبرى‏:‏ فى هذا الحديث الابانة أنه لاحرج على المرء فى جلوسه مع قوم فيهم منافق أو كافر، وفى تسليمه عليهم إذا انتهى اليهم بالجلوس، وذلك أن النبى سلم على القوم الذين فيهم عبد الله بن أبى، ولم يمتنع من ذلك لمكان عبد الله مع نفاقه وعدواته للإسلام وأهله، إذ كان فيهم من أهل الإيمان جماعة‏.‏

وقد روى عن الحسن البصرى أنه قال‏:‏ إذا مررت بمجلس فيه مسلمون وكفار فسلم عليهم‏.‏

وذلك خلاف ما يقول بعض الناس أن التسليم غير جائز على من كان عن سبيل الحق منحرفًا، إما لبدعه أو ضلاله من الأهواء الرديئة، أو لملة من ملل الكفار دان بها، وتكليمه غير سائغ وذلك أنه لا ضلالة أشنع ولابدعة أخبث ولا كفر ارجس من النفاق، ولم يكن فى نفاق عبد الله بن أبى يوم هذه القصة شك‏.‏

وإن قيل‏:‏ إن رسول الله إنما سلم عليه يومئذ ونزل إليه ليدعوه إلى الله وذلك فرض عليه‏.‏

قيل‏:‏ لم يكن نزوله عليه السلام ليدعوه، لأنه قد كان تقدم الدعاء منه لعبد الله بن الله بن أبى ولجماعة المنافقين فى أول الإسلام، فكيف يدعى إلى ما يظهره‏؟‏ وإنما نزل عليه السلام هناك استئلافا لهم ورفقا بهم، رجاء فى رجوعهم إلى الحق‏.‏

قال المهلب‏:‏ وقد كان عليه السلام يستألف بالمال، فضلا عن التحية والكلمة الطيبة، ومن استئلافة أنه كناه عند سعد بن عبادة، فقال له سعد‏:‏ اعف عنه واصفح‏.‏

أيلا تناصبه العداوة، كل هذا رجاء أن يراجع الإسلام، وقد أجاز ما لك تكنية اليهودى والنصرانى‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وقد روى عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب، روى جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال‏:‏ كنت ردفًا لابن مسعود فصحبنا دهقان من القنطرة إلى زرارة، فانشقت له طريق فأخذ فيه، فقال عبد الله‏:‏ أين الرجل‏؟‏ فقلت‏:‏ أخذ فى طريقه، فأتبعه بصره، وقال‏:‏ السلام عليكم‏.‏

فقلت ياأبا عبد الرحمن‏:‏ أليس يكره أن يبدءوا بالسلام‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ولكن حق الصحبة‏.‏

وقال إبراهيم‏:‏ إذا كانت لك إلى يهودى حاجة فابدأه بالسلام‏.‏

وكان أبو أمامه إذا أنصرف إلى بيته لايمر بمسلم ولا نصرانى ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه، فقيل له فى ذلك، فقال‏:‏ أمرنا أن نفشى السلام‏.‏

وقال كريب‏:‏ كتب ابن عباس إلى يهودى جربا فسلم عليه، فقال له كريب‏:‏ سلمت عليه فقال‏:‏ ان الله هو السلام‏.‏

وكان ابن محيريز يمر على السامرة فيسلم عليهم‏.‏

وقال قتادة‏:‏ إذا دخلت بيوت أهل الكتاب فقل‏:‏ السلام على من أتبه الهدى‏.‏

وسئل الأوزاعى عن مسلم مربكافر فسلم عليه، فقال إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فما أنت قائل فيما رواه شعبة وسفيان عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏لاتبدءوا النصارى واليهود بالسلام، وإذا لقيتموهم فى الطريق فضطروهم إلى أضيقة‏)‏‏؟‏ قيل‏:‏ كل الخبرين صحيح، وليس فى أحدهما خلاف للآخر وإنما فى حديث أسامة معنى خبر أبى هريرة، وذلك أن خبر أبى هريرة مخرجة العموم، وخبر أسامة مبين أن معناه الخصوص، وذلك أن فيه أن النبى عليه السلام لما رأى عبد الله بن أبى جالسًا وحوله رجال من قومه تذمم أن يجاوزه، فنزل فسلم فجلس، فكان نزوله إليه قضاء ذمام‏.‏

وهو نظير ما ذكر علقمة عن عبد الله فى تسليمه على الدهقان الذى صحبه فى طريق الكوفة فقال‏:‏ أنه صحبنا وللصحبة حق، وكما قال النخعى‏:‏ إذا كانت لك إلى يهودى حاجة أو نصرانى فابدأه بالسلام‏.‏

فبان بخبر أسامة أن قوله عليه السلام فى خبر أبى هريرة‏:‏ ‏(‏لاتبدءوهم بالسلام‏)‏ إنما هو لا تبدءهم لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدءهم‏:‏ من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم، أو حق صحبة فى جواز أو سفر‏.‏

قال المهلب‏:‏ وفيه عيادة المريض على بعد والركوب إليه‏.‏

وفيه‏:‏ ركوب الحمر لأشراف الناس والارتداف‏.‏

وقوله‏:‏ خمر عبد الله أنفه يعنى غطاه، وكل مغطى عند العرب فهو مخمر، ومنه قوله عليه السلام للرجل فى إناء‏:‏ ‏(‏ألا خمرته ولو بعود تعرضه عليه‏)‏‏.‏

والبحرة‏:‏ القرية، وكل قرية لها نهر ماء جار أو نافع، فإن العرب تسميها بحرًا‏.‏

وقد قيل فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ظهر الفساد فى البر والبحر ‏(‏أنه عنى بالبحر الأمصار التى فيها أنهار ماء، والعرب تقول‏:‏ هذه بحرتنا، أى‏:‏ بلدتنا، وقال ابن ميادة‏:‏ كان بقاياه ببحر ملك نقيه سحق من رداء مخبر وقوله‏:‏ يعصبوه أى‏:‏ يسودوه، والسيد المطاع يقال له‏:‏ المعصب، لأنه يعصب الأمر براسه‏.‏

والتاج عندهم للملك، والعصابة للسيد المطاع‏.‏

وقوله‏:‏ شرق بذلك، أى غص به، يقال‏:‏ غص الرجل بالطعام وشرق بالماء وسجى بالعظم‏.‏

باب‏:‏ من لم يسلم على من اقترف ذنبًا ولم يرد سلامة حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصى

وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو‏:‏ لا تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الْخَمْرِ‏.‏

- فيه‏:‏ كَعْبَ، حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ غزوة تَبُوكَ، وَنَهَى النّبِىّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلامِنَا، وَآتِى النّبِىّ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ فِى نَفْسِى‏:‏ هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلامِ أَمْ لا‏؟‏ حَتَّى كَمَلَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً، وَآذَنَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ‏.‏

قال المهلب‏:‏ ترك السلام على أهل المعاصى بمعنى التأديب لهم سنة ماضية بحديث كعب بن مالك وأصحابه‏:‏ الثلاثة الذين خلفوا، وبذلك قال كثير من أهل العلم فى أهل البدع‏:‏ لا يسلم عليهم، أدبا لهم‏.‏

وقد روى عن على بن أبى طالب أنه قال‏:‏ لاتسلموا على مدمن الخمر ولا على الملتهى بأبويه‏.‏

ذكره الطبرى‏.‏

وكذلك كان فى قطع الكلام عن كعب بن مالك وصاحبه حين تخلفوا عن رسول الله، وإظهار الموجدة عليهم أبلغ فى الأدب لهم، والإعراب أدب بالغ، ألا ترى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرهن فى المضاجع‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ وإلى متى تتبين توبة العاصى ليس فى ذلك حد محدودة، ولكن معناه أنه لاتتبين توبته من ساعته ولا ساعته ولايومه حتى يمر عليه ما يدل على ذلك‏.‏

روى ابن وهب بإسناد أن يزيد بن أبى حبيب قال‏:‏ لو مررت على قوم يلعبون بالشطرنج ما سلمت عليهم‏.‏

وكان سعيد بن جبير إذا مر على أصحاب النرد لم يسلم عليهم‏.‏

ورخص مالك فى السلام على من لم يدمن اللعب بها، وإنما يلعب به المرة بعد المرة‏.‏

باب‏:‏ كيف رد السلام على أهل الذمة

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى النّبِىّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا‏:‏ السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ‏:‏ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏مَهْلا يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأمْرِ كُلِّهِ‏)‏، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا‏؟‏ قَالَ النّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فَقَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْنِ عُمَر، وَأنس، أَنَّ النّبِىّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ- قَالَ ابن عُمر‏:‏ الْيَهُودُ، وقَالَ أنس‏:‏ أهل الكتاب- فقالوا‏:‏ وَعَلَيْكَ‏)‏‏.‏

لابن عمر ولأنس‏:‏ وعليكم‏.‏

السام‏:‏ فسره أبو عبيد قال‏:‏ هو الموت‏.‏

قال الخطابى‏:‏ وتأوله قتادة على خلاف ذلك، وروى عبد الوارث، عن سعيد بن أبى عروبة قال‏:‏ كان قتادة يفسر السام عليكم‏:‏ تسأمون دينكم، وهو مصدر من سئمته سآمه وسآمه مثل‏:‏ رضعة رضاعة ورضاعًا ولذذته لذاذة‏.‏

ووجدت هذا الذى فسره قتادة روى عن النبى عليه السلام ذكر بقى بن مخلد فى التفسير عن سعيد، عن قتادة، عن أنس ‏(‏أن النبى عليه السلام بينا هو جالس مع أصحابه، إذ أتى يهودى فسلم عليهم فردوا عليه، فقال عليه السلام‏:‏ هل تدرون ما قال‏؟‏ قالوا‏:‏ سلم يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ سام عليكم، أى تسأمون دينكم‏)‏‏.‏

قال أبو سليمان‏:‏ ورواية ‏(‏عليكم‏)‏ بغير وار أحسن من رواية الواو، لأن معناه بغير واو‏:‏ رددت ما قلتموه عليكم، وإذا أدخلت الواو صار المعنى على وعليكم، لأن الواو حرف التشريك‏.‏

واختلف العلماء فى رد السلام على أهل الذمة فقالت طائفة‏:‏ رد السلام فريضة على المؤمنين والكفار، قالوا‏:‏ وهذا تأويل قوله السلام فريضة على المؤمنين والكفار، قالوا‏:‏ وهذا تأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فحيوا بأحسن منها أو ردوها ‏(‏قال ابن عباس وقتادة وغيره‏:‏ هى عامة فى رد السلام على المؤمنين والكفار‏.‏

قال وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو ردوها ‏(‏يقول‏:‏ وعليكم للكفار‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ ومن سلم عليك من خلق الله فاردد عليه، ولو كان مجوسيا‏.‏

وروى ابن وهب، عن مالك‏:‏ لاترد على اليهودى والنصرانى، فإن رددت فقل‏:‏ عليك‏.‏

وروى ابن عبد الحكم، عن مالك أنه يجوز تكنية اليهودى والنصرانى وعيادته، وهذا أكثر من رد السلام‏.‏

وروى يحى عن مالك أنه سئل عمن سلم على يهودى أو نصرانى هل يستقليه ذلك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

وقال ابن وهب‏:‏ سلم على اليهودى والنصرانى، وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقولوا للناس حسنا‏}‏‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ لا يرد السلام على أهل الذمة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فحيوا بأحسن منها أو ردوها ‏(‏فى أهل الإسلام خاصة‏.‏

عن عطاء‏.‏

ورد عليه السلام على اليهود‏:‏ ‏(‏وعليكم‏)‏ حجة لمن رأى الرد على أهل الذمة، فسقط قول عطاء‏.‏

قال المهلب‏:‏ وفى الحديث من الفقه جواز انخداع الرجل الشريف لمكايد أو عاص، ومقارضته من حيث لايشعر إذا رجا رجوعه وتوبته‏.‏

وفيه‏:‏ الانتصار للسلطاء، ووجوب ذلك على حاشيته وحشمه‏.‏‏؟‏

باب‏:‏ من نظر فى كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره

- فيه‏:‏ عَلِىّ، بَعَثَنِى النّبِىّ عليه السَّلام وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَأَبَا مَرْثَدٍ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، إلى رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ ابْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ، فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهَا، فقُلْنَا لها‏:‏ أَيْنَ الْكِتَابُ الَّذِى مَعَكِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ مَا مَعِى كِتَابٌ، فَأَنَخْنَا بِهَا، فَابْتَغَيْنَا فِى رَحْلِهَا، فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا، فقَالَ صَاحِبَاىَ‏:‏ مَا نَرَى كِتَابًا، فقُلْتُ‏:‏ لَقَدْ عَلِمْتُ مَا كَذَبَ النّبِىّ صلى الله عليه وسلم، وَالَّذِى يُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لأجَرِّدَنَّكِ، قَالَ‏:‏ فَلَمَّا رَأَتِ االْجِدَّ مِنِّى، أَهْوَتْ بِيَدِهَا إِلَى حُجْزَتِهَا- وَهِىَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ- فَأَخْرَجَتِ الْكِتَابَ، قَالَ‏:‏ فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى النّبِىّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَا حَمَلَكَ يَا حَاطِبُ عَلَى مَا صَنَعْتَ‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا بِى إِلا أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا غَيَّرْتُ، وَلا بَدَّلْتُ، أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِى عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِى وَمَالِى، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ هُنَاكَ إِلا وَلَهُ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏صَدَقَ، فَلا تَقُولُوا لَهُ إِلا خَيْرًا‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏‏.‏‏.‏

فَقَالَ‏:‏ ‏(‏اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ‏)‏، قَالَ‏:‏ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ‏:‏ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه‏:‏ هتك ستر المذنب وكشف المأة العاصية وأن الحديث الذى روى أنه لا يجوز النظر فى كتاب أحد، وأن ذلك حرام وماجاء من التغليظ فيه، فإن ذلك لمن يظن به كتابه إلا الخير، فإن كان متهمًا على المسلمين فلا حرمه لكتابه ولا له‏.‏

ألا ترى أن المرأة لا يجوز النظر إليها عريانة لغير ذى محرم منها لأنها عورة، وقد أراد على تجريدها لو لم تخرج الكتاب وأقسم أن لم تخرجه ليجردها، فحرمه المرأة أكثر من حرمة الكتاب، وقد سقطت عند خيانتها فكذلك حرمة الكتاب‏.‏

وفيه‏:‏ دليل أنه لابأس بالنظر إلى عورة المرأة عند الأمر ينزل فلا يجد من النظر إليها بدا، ويشهد لصحة ذلك ما رواه مالك، عن سهيل ابن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة‏:‏ ‏(‏أن سعد بن عبادة قال‏:‏ يا رسول الله، أرأيت ان وجدت مع أمرأتى رجلا أمهله حتى أتى بأربعة شهداء فقال رسول الله‏:‏ نعم‏)‏‏.‏

قال الطبرى‏:‏ ولو كان الشهداء الأربعة إذا حضروا لم يجز لهم النظر إلى فروجهما، لم يكن حضورهم وغيبتهم إلا سواء، لأن الشهادة على الزنا لاتصح إلا أن يشهد الشهود أنهم رأوا ذلك منهما كالميل فى المكحلة‏.‏

وقد تقدم بعض معانى هذه الحديث فى باب الجاسوس فى كتاب الجهاد وفى باب المتأولين فى آخر الديات، فأغنى عن إعادته‏.‏